فصل: المسألة الْأُولَى: قوله تعالى: {إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان اللفظ مطلقًا وجب حمله على جميع الفروق الحاصلة بين المؤمنين وبين الكفار فنقول: هذا الفرقان إما أن يعتبر في أحوال الدنيا أو في أحوال الآخرة.
أما في أحوال الدنيا فإما أن يعتبر في أحوال القلوب وهي الأحوال الباطنة أو في الأحوال الظاهرة، أما في أحوال القلوب فأمور: أحدها: أنه تعالى يخص المؤمنين بالهداية والمعرفة.
وثانيها: أنه يخص قلوبهم وصدورهم بالانشراح كما قال: {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلام فَهُوَ على نُورٍ مّن رَّبّهِ} [الزمر: 22] وثالثها: أنه يزيل الغل والحقد والحسد عن قلوبهم ويزيل المكر والخداع عن صدورهم، مع أن المنافق والكافر يكون قلبه مملوءًا من هذه الأحوال الخسيسة والأخلاق الذميمة، والسبب في حصول هذه الأمور أن القلب إذا صار مشرقًا بطاعة الله تعالى زالت عنه كل هذه الظلمات لأن معرفة الله نور، وهذه الأخلاق ظلمات، وإذا ظهر النور فلابد من زوال الظلمة.
وأما في الأحوال الظاهرة، فإن الله تعالى يخص المسلمين بالعلو والفتح والنصر والظفر، كما قال: {وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقين: 8] وكما قال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} [التوبة: 33] وأمر الفاسق والكافر بالعكس من ذلك.
وأما في أحوال الآخرة، فالثواب والمنافع الدائمة والتعظيم من الله والملائكة وكل هذه الأحوال داخلة في الفرقان.
والنوع الثاني: من الأجزية المرتبة على التقوى قوله: {وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ} فنقول: إن حملنا قوله: {إَن تَتَّقُواْ الله} على الاتقاء من الكفر، كان المراد بقوله: {وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ} جميع السيئات التي وجدت قبل الكفر، وإن حملناه على الاتقاء عن الكبائر، كان المراد من هذا تكفير الصغائر.
والنوع الثالث: قوله: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} واعلم أن المراد من تكفير السيئات سترها في الدنيا ومن المغفرة إزالتها في القيامة لئلا يلزم التكرار.
ثم قال: {والله ذُو الفضل العظيم} ومن كان كذلك فإنه إذا وعد بشيء وفى به، وإنما قلنا: إن أفضال الله أعظم من أفضال غيره لوجوه: الأول: أن كل ما سوى الحق سبحانه فإنه لا يتفضل ولا يحسن إلا إذا حصلت في قلبه داعية الإفضال والإحسان، وتلك الداعية حادثة فلا تحصل إلا بتخليق الله تعالى، وعند هذا ينكشف أن المتفضل ليس إلا الله الذي خلق تلك الداعية الموجبة لذلك الفعل.
الثاني: أن كل من تفضل يستفيد به نوعًا من أنواع الكمال إما عوضًا من المال أو عوضًا من المدح والثناء، وإما عوضًا من نوع آخر وهو دفع الألم الحاصل في القلب بسبب الرقة الجنسية والله تعالى يعطي ويتفضل ولا يطلب به شيئًا من الأعواض لأنه كامل لذاته، وما كان حاصلًا للشيء لذاته امتنع أن يستفيده من غيره.
الثالث: أن كل من تفضل على الغير فإن المتفضل عليه يصير ممنونًا عليه من ذلك المتفضل، وذلك منفر، أما الحق سبحانه وتعالى فهو الموجد لذات كل أحد بجميع صفاته، فلا يحصل الاستنكاف من قبول إحسانه.
الرابع: أن كل من تفضل على غيره فإنه لا ينتفع المتفضل عليه بذلك التفضل إلا إذا حصلت له عين باصرة وأذن سامعة ومعدة هاضمة.
حتى ينتفع بذلك الإحسان، وعند هذا ينكشف أن المتفضل هو الله في الحقيقة فثبت بهذه البراهين صحة قوله: {والله ذُو الفضل العظيم}. اهـ.

.قال ابن العربي:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاَللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:

.المسألة الْأُولَى: قوله تعالى: {إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ}:

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي التَّقْوَى وَحَقِيقَتِهَا وَأَنَّهَا فَعْلَى، مِنْ وَقَى يَقِي وِقَايَةً وَوَاقِيَةً، أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَاءً لُغَةً؛ وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُخَالَفَةِ اللَّهِ وَمَعْصِيَتِهِ وِقَايَةً وَحِجَابًا، وَلَهَا فِيهِ مَحَالُّ: الْمَحَلُّ الْأَوَّلُ: الْعَيْنُ: فَإِنَّهَا رَائِدُ الْقَلْبِ وَرَبِيئَتُهُ، فَمَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَرْسَلَتْهُ إلَيْهِ، فَهُوَ يَفْصِلُ مِنْهُ الْجَائِزَ مِمَّا لَا يَجُوزُ، وَإِذَا جَلَّلْتهَا بِحِجَابِ التَّقْوَى لَمْ تُرْسِلْ إلَى الْقَلْبِ إلَّا مَا يَجُوزُ، فَيَسْتَرِيحُ مِنْ شَغَبِ ذَلِكَ الْإِلْقَاءِ؛ وَرُبَّمَا أَصَابَتْ هَذَا الْمَعْنَى الشُّعَرَاءُ كَقَوْلِهِمْ: وَأَنْتَ إذَا أَرْسَلْتَ طَرَفَكَ رَائِدًا لِقَلْبِك يَوْمًا أَسْلَمَتْك الْمَنَاظِرُ رَأَيْت الَّذِي لَا كُلُّهُ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَخَذَ طَرَفًا مِنْ الْمَعْنَى، فَإِنَّ شَيْخَنَا عَطَاءً الْمَقْدِسِيَّ شَيْخَ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ اسْتَوْفَى الْمَعْنَى فِي بَيْتَيْنِ أَنْشَدَنَاهُمَا: إذَا لُمْت عَيْنَيَّ اللَّتَيْنِ أَضَرَّتَا بِجِسْمِي وَقَلْبِي قَالَتَا لُمْ الْقَلْبَا فَإِنْ لُمْت قَلْبِي قَالَ عَيْنَاك جَرَّتَا عَلَيَّ الرَّزَايَا ثُمَّ لِي تَجْعَلُ الذَّنْبَا وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ؛ فَالْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ.
الْمَحَلُّ الثَّانِي: الْأُذُنُ: وَهِيَ رَائِدٌ عَظِيمٌ فِي قَبِيلِ الْأَصْوَاتِ يُلْقِي إلَى الْقَلْبِ مِنْهَا مَا يُغَبِّيهِ، وَقَدْ كَانَتْ الْبَوَاطِلُ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ الْحَقَائِقِ، فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْخَوْضِ فِي الْبَاطِلِ أَوَّلًا، وَيُنَزِّهَ نَفْسَهُ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِهِ؛ وَإِذَا سَمِعَ الْقَوْلَ اتَّبَعَ أَحْسَنَهُ، وَوَعَى أَسْلَمَهُ، وَصَانَ عَنْ غَيْرِهِ أُذُنَهُ، أَوْ قَذَفَهُ عَنْ قَلْبِهِ إنْ وَصَلَ إلَيْهِ.
الْمَحَلُّ الثَّالِثُ: اللِّسَانُ: وَفِيهِ نَيِّفٌ عَلَى عِشْرِينَ آفَةً وَخُصْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الصِّدْقُ، وَبِهَا يَنْتَفِي عَنْهُ جَمِيعُ الْخِصَالِ الذَّمِيمَةِ، وَعَنْ بَدَنِهِ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ، فَإِذَا حَجَبَهُ بِالصِّدْقِ فَقَدْ كَمُلَتْ لَهُ التَّقْوَى، وَنَالَ الْمَرْتَبَةَ الْقُصْوَى.
الْمَحَلُّ الرَّابِعُ: الْيَدُ: وَهِيَ لِلْبَطْشِ وَالتَّنَاوُلِ، وَفِيهَا مَعَاصٍ مِنْهَا: الْغَصْبُ، وَالسَّرِقَةُ، وَمُحَاوَلَةُ الزِّنَا، وَالْإِذَايَةُ لِلْحَيَوَانِ وَالنَّاسِ، وَحِجَابُهَا الْكَفُّ إلَّا عَمَّا أَرَادَ اللَّهُ.
الْمَحَلُّ الْخَامِسُ: الرِّجْلُ: وَهِيَ لِلْمَشْيِ إلَى مَا يَحِلُّ، وَإِلَى مَا يَجِبُ، وَحِجَابُهَا الْكَفُّ عَمَّا لَا يَجُوزُ.
الْمَحَلُّ السَّادِسُ: الْقَلْبُ: وَهُوَ الْبَحْرُ الْخِضَمُّ، وَفِي الْقَلْبِ الْفَوَائِدُ الدِّينِيَّةُ، وَالْآفَاتُ الْمُهْلِكَةُ، وَالتَّقْوَى، فِيهِ حِجَابٌ يَسْلُخُ الْآفَاتِ عَنْهُ، وَشَحْنُهُ بِالنِّيَّةِ الْخَالِصَةِ؛ وَشَرْحُهُ بِالتَّوْحِيدِ، وَخَلْعِ الْكِبْرِ وَالْعَجَبِ بِمَعْرِفَتِهِ بِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَالتَّبَرِّي مِنْ الْحَسَدِ، وَالتَّحَفُّظِ مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ، بِمُرَاعَاةِ غَيْرِ اللَّهِ فِي الْأَعْمَالِ، وَالرُّكُونِ إلَى الدُّنْيَا بِالْغَفْلَةِ عَنْ الْمَالِ.
فَإِذَا انْتَهَى الْعَبْدُ إلَى هَذَا الْمَقَامِ مَهَّدَ لَهُ قَبُولَهُ مَكَانًا، وَرَزَقَهُ فِيمَا يُرِيدُهُ مِنْ الْخَيْرِ إمْكَانًا، وَجَعَلَ لَهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فُرْقَانًا، وَهِيَ:

.المسألة الثَّانِيَةُ: فِي قِسْمِ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ:

أَنْ يَمْتَثِلَ مَا أُمِرَ، وَيَجْتَنِبَ كَيْفَ اسْتَطَاعَ مَا عَنْهُ نُهِيَ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ قَوْلِهِ: {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} قَالَ: مَخْرَجًا.
ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} إلَى: {فَهُوَ حَسْبُهُ}.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ قَوْلِهِ: {إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} قَالَ: يَعْنِي مَخْرَجًا.
وَقَالَ أَشْهَبُ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْهَا فَذَكَرَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: يَجْعَلْ لَكُمْ فَصْلًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
وَهَذِهِ كُلُّهَا أَبْوَابُ الْعَمَلِ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَبَدَانِ. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامَنُواْ إَن تَتَّقُواْ الله} يعني إن تطيعوا الله ولا تعصوه، {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا}؛ يعني يجعل لكم مخرجًا في الدنيا ونجاة ونصرًا في الدين؛ ويقال: المخرج من الشبهات.
وقال مجاهد: مخرجًا في الدنيا والآخرة.
{وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ}، يقول: يمحو عنكم ذنوبكم، {وَيَغْفِرْ لَكُمْ}؛ يعني يستر ذنوبكم وعيوبكم.
{والله ذُو الفضل العظيم}، يعني ذو الكلام والتجاوز عن عباده. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يِا أَيُّهَا الذين آمنوا إِن تَتَّقُواْ الله}
بطاعته وترك معصيته واجتناب خيانته {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} قال مجاهد: مخرجًا في الدنيا والآخرة.
وقال مقاتل بن حيان: مخرجًا في الدين من الشبهات. وقال عكرمة: نجاة. وقال الضحاك: بيانًا. وقال مقاتل: منقذًا.
قال الكلبي: بصرًا، وقال ابن إسحاق: فصلًا بين الحق والباطل، يظهر الله به حقكم ويطفئ به باطل مَنْ خالفكم.
وقال ابن زيد: فرقًا يفرق في قلوبهم بين الحق والباطل حتّى يعرفوه ويشهدوا به.
والفرقان مصدر كالرحمان والنقصان.
تقول: فرقت بين الشيء والشيء أفرق بينهما فرقًا وفروقًا وفرقانًا، {وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ} ما سلف من ذنوبكم {وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله ذُو الفضل العظيم}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّ تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا}
فيه أربعة تأويلات:
أحدها: معنى فرقانًا أي هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل، قاله ابن زيد وابن إسحاق.
والثاني: يعني مخرجًا في الدنيا والآخرة، قاله مجاهد.
والثالث: يعني نجاة، قاله السدي.
والرابع: فتحًا ونصرًا، قاله الفراء.
ويحتمل خامسًا: يفرق بينكم وبين الكافر في الآخرة. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله} الآية، وعد للمؤمنين بشرط الاتقاء والطاعة له، و{ويجعل لكم فرقانًا} معناه فرقًا بين حقكم وباطل من ينازعكم أي بالنصرة والتأييد عليهم، والفرقان مصدر من فرق بين الشيئين إذا حال بينهما أو خالف حكمهما، ومنه قوله: {يوم الفرقان} [الأنفال: 41] وعبر قتادة وبعض المفسرين عن الفرقان هاهنا بالنجاة، وقال السدي ومجاهد معناه مخرجًا ونحو هذا مما يعمه ما ذكرناه، وقد يوجد للعرب استعمال الفرقان كما ذكر المفسرون فمن ذلك قول مزرد بن ضرار: [الخفيف]
بادر الأفقُ أنْ يَغيبَ فلمّا ** أَظْلَمَ اللّيلُ لمْ يجدْ فُرْقَانا

وقال الآخر: [الرجز]
ما لك من طولِ الأسَى فُرقانُ ** بعد قطينٍ رحلوا وبانوا

وقال الآخر: [الطويل]
وكيف أرجّي الخلدَ والموتُ طالبي ** وماليَ من كأسِ المنيَّةِ فرقان

. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إن تتقوا الله}
أي: بترك معصيته، واجتناب الخيانة لله ورسوله.
قوله تعالى: {يجعل لكم فرقانًا} فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه المخرج، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، ومجاهد، والضحاك، وابن قتيبة.
والمعنى: يجعل لكم مخرجًا في الدين من الضلال.
والثاني: أنه النجاة، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والسدي.
والثالث: أنه النصر، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال الفراء.
والرابع: أنه هدى في قلوبهم يفرقون به بين الحق والباطل، قاله ابن زيد، وابن إسحاق. اهـ.

.قال القرطبي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}
قد تقدّم معنى التقوى.
وكان الله عالمًا بأنهم يتقون أم لا يتقون.
فذكر بلفظ الشرط؛ لأنه خاطب العباد بما يخاطِب بعضهم بعضًا.
فإذا اتقى العبد ربّه وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه وتركَ الشبهات مخافة الوقوع في المحرّمات، وشحن قلبه بالنية الخالصة، وجوارحه بالأعمال الصالحة، وتحفّظ من شوائب الشرك الخفِيّ والظاهِر بمراعاة غير الله في الأعمال، والركون إلى الدنيا بالعِفة عن المال، جعل له بين الحق والباطل فرقانًا، ورزقه فيما يريد من الخير إمكانًا.
قال ابن وهب: سألت مالكًا عن قوله سبحانه وتعالى: {إَن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} قال: مخرجًا، ثم قرأ {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2].
وحكى ابن القاسم وأشهب عن مالك مثله سواء، وقاله مجاهد قبله.
وقال الشاعر:
مَالكَ من طُول الأسَى فُرقان ** بعد قَطينٍ رَحلوا وبَانُوا

وقال آخر:
وكيف أرَجِّي الخلد والموت طالبي ** وما لي من كأس المنية فرقانُ

ابن إسحاق: {فُرْقَانًا} فَصْلًا بين الحق والباطل؛ وقاله ابن زيد.
السديّ: نجاة.
الفرّاء: فتحا ونصرًا.
وقيل: في الآخرة، فيدخلكم الجنة ويدخل الكفار النار. اهـ.